news

أمريكا – العراق وفك الارتباط

صالح أبو مسلم

صالح أبو مسلم

منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” في قطاع غزة، وشن قوات الاحتلال الإسرائيلية هجومًا -لا مثيل له- علي قطاع غزة بهدف الانتقام من حركات المقاومة الفلسطينية في غزة، زادت العمليات الهجومية والعداء تجاه القواعد الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط من جانب التيارات والأحزاب الموجودة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، والتي تصنفها أمريكا من التيارات المحسوبة على إيران و المعادية لها في دول المنطقة، وبالفعل ومنذ السابع من شهر أكتوبر الماضي ٢٠٢٣ وبسبب ما قامت به إسرائيل من قتل ودمار وتخريب وتهجير بمساعدة أمريكا ودول الغرب، ما أدي إلى ردات فعل معادية من جانب الكثير من الفصائل والأحزاب والميليشيات المسلحة، والقيام بالمزيد من العمليات العسكرية ضد القواعد الأمريكية في دول المنطقة، انتقامًا منها لمساندتها “اللامحدودة” لإسرائيل، ووقوفها حجر عثرة في مجلس الأمن بعد استخدامها حق النقض “الفيتو” لمنع وقف إطلاق النار في غزة، فمن قيامها بإنشاء تحالف عسكري في البحر الأحمر لضرب واستهداف الحوثيين بسبب قصفهم للسفن الداعمة لإسرائيل، ثم مقاومة حزب الله في جنوب لبنان وقيامه بعمليات ضد إسرائيل في جنوب لبنان، وصولاً إلى قيام الميليشيات والفصائل العراقية المسلحة وعلى رأسها الحشد الشعبي في استهداف القواعد والمصالح الأمريكية في العراق وسوريا، ما دفع أمريكا مؤخرا إلى القيام بالكثير من العمليات العسكرية، لاستهداف الأماكن والمؤسسات الأمنية والعسكرية العراقية، ومنها مؤخرا استهداف قواعد وأماكن تجمعات قوات الحشد الشعبي، واغتيال أحد قادتها البارزين مشتاق طالب السعيدي “أبو تقوى”، ما أدي إلي ازدياد غضب الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، وغضب الكثير من المؤسسات والأحزاب العراقية، وازدياد غضب الشارع العراقي الذي طالب الحكومة بخروج قوات التحالف الدولي وعلى رأسها القوات الأمريكية من العراق، وقد وصف رئيس الوزراء العراقي وجود قوات التحالف الدولي بالعراق بأنه وجود أصبح مزعزعا للاستقرار في العراق ودول المنطقة، وخاصة في ظل تداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومناصرة شعوب المنطقة لأبناء غزة وللشعب الفلسطيني. كما أعلن محمد شياع السوداني للأمريكيين بأن قوات الحشد الشعبي التي استهدفتها أمريكا مؤخرًا هي قوات عراقية، وتأتمر بإمرة القائد العام للقوات المسلحة. وأوضح رئيس الوزراء العراقي أيضا أن الحكومة العراقية تطلب منذ العام ٢٠١٧ خروج القوات الأمريكية من العراق، وخلال تلك السنوات قامت أمريكا بمفردها وبدون التنسيق مع الحكومة العراقية بالكثير من العمليات العسكرية، واغتيال الكثير من القيادات داخل العراق كعملية اغتيال واستهداف قاسم سليماني رئيس الحرس الثوري الإيراني بالقرب من مطار بغداد، واغتيال أبو مهدي المهندس أحد قادة الحشد الشعبي.

ومع كل تلك السنوات على وجود أمريكا بالعراق، فإن الأمريكيين بالرغم من مساندتهم مع قوات التحالف للعراق في الحرب علي داعش منذ العام ٢٠١٣ فإنهم لا يمتلكون الشعبية في الشارع العراقي، بل يقابل وجودهم من جانب الشعب العراقي بالازدراء والسخط والمطالبة بخروجهم، وذلك بعد أن غزوا ودمروا العراق عام ٢٠٠٣ دون أن يسهموا في بنائه وإعماره، ودون أن ينشروا الديموقراطية “المزيفة” كما كانوا يروجون لها، ولا حتي بخلق شراكات حقيقية بين البلدين، ما تسبب في خلق عراق فقير ومهمش، ومنقسم طائفيا، وبه الكثير من المشكلات المتفاقمة التي سببها الأمريكيون للعراق، وقد كان وجودهم خلال تلك الفترة لحماية بعض الرموز والقيادات السياسية الفاسدة من أجل ضمان مصالح أمريكا في العراق والمنطقة، ما جعل المكوِّن الوطني العراقي الحر يطالب الآن بخروج القوات الأمريكية وغيرها من العراق، حفاظا علي سيادة العراق واستقلاله، واستعادة مكانته الدولية بعيدا عن التواجدات والمصالح الخارجية.

ولهذا فإن الحكومة العراقية جادة هذه المرة برئاسة محمد شياع السوداني بشأن المطالبة بخروج أمريكا وقوات التحالف من العراق، وقد جهزوا لذلك وفدا عراقيا للتفاوض مع أمريكا علي الخروج من العراق، ما جعل المتحدث باسم البنتاغون يعلن مؤخرا بأن أمريكا لا تخطط في الوقت الحالي لسحب قواتها من العراق، وبهذا تكون أمريكا قد أعلنت علي الملأ بأنها تماطل في الخروج من العراق لعدد من الأسباب التي ترفضها الحكومة العراقية، ولهذا يري بعض الخبراء والمحللين أنه سيكون من الصعب إخراج أمريكا من العراق بشكل كامل، بسبب تخوف أمريكا من المد الإيراني في العراق والمنطقة من جهة، ومساندة أمريكا لقوات الشعوب الديموقراطية في سوريا من أجل إقامة دولة كردية في شمال سوريا، ومع ذلك يمكن للضغط العراقي على أمريكا أن يتسبب في إضعاف نفوذها والتقليل من عملياتها ومصالحها في المنطقة، ما قد يؤثر سلبا في حالة حدوثه في توتر العلاقات بين البلدين، وربما طلب خروج أمريكا من المنطقة دافعا لأمريكا وحلفائها في مضايقة العراق، وهذا هو ثمن السماح بالتدخلات الأجنبية في دول المنطقة، فهل ستخرج أمريكا من العراق كما خرجت فرنسا من دول غرب إفريقيا؟ أم أنها ستماطل في الخروج لتزيد من قواعدها العسكرية وتوسيع نفوذها في العراق وسوريا ودول المنطقة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى