اخبار لايف

اختراق الروس لاستخبارات النمسا.. ناتاشا ومصيدة العسل وأصابع خفية


قصة أقرب لأفلام الحركة والجاسوسية، وقعت في الفترة بين 2013 و2018، وكادت أن تحقق هدفا استثنائيا لولا تفجر فضيحة فساد بشكل مدوٍ.

ففي النمسا، عادت حادثة وقعت في 28 فبراير/شباط 2018 داخل مبنى المكتب الاتحادي لحماية الدستور ومكافحة الإرهاب، وهي وكالة الاستخبارات الداخلية، إلى الأضواء هذه الأيام، مع كشف حقائق جديدة، وفقا لصحيفة «بوليتيكو».

العودة للضوء ليس من قبيل التدقيق في الحقائق التي مر عليها سنوات، بل تحمل بين سطورها، مخاوف من يد يمكن أن تمسك بزمام أمور النمسا كاملة بعد الانتخابات المقبلة.

وبالعودة إلى التاريخ المذكور، توغل العشرات من عناصر الشرطة النمساوية، مسلحين ومقنعين، في جميع أنحاء المبنى الاستخباراتي، واستولوا على البيانات السرية المخزنة على خوادم الوكالة والوثائق الحساسة في المكاتب، في إطار عملية مداهمة جرى هندستها جيدا لتحقيق أهداف معينة.

وأطلق التوغل الذي وضع الشرطة في مواجهة المكتب الاتحادي لحماية الدستور، العنان لعاصفة حطمت سمعة النمسا في عالم الاستخبارات وأدت إلى إغلاق الوكالة.

وبعد مرور أكثر من ست سنوات، بدأ التركيز الآن على القصة الحقيقية التي تقف خلف اقتحام الشرطة لمبنى الاستخبارات الداخلية في ذلك اليوم.

أدلة جديدة

مسؤولو المخابرات النمساوية قالوا، لمجلة “بوليتيكو”، إن الأدلة الجديدة تشير إلى أن المداهمة كانت جزءًا من عملية قادتها موسكو لتشويه سمعة أجهزة التجسس النمساوية من أجل إعادة بنائها بقيادة جديدة تحت تأثير الكرملين. 

وأفاد هؤلاء المسؤولون، بأن العامل الحاسم في هذه الجهود، كان الشريك الأصغر في الائتلاف الحكومي في ذلك الوقت؛ حزب الحرية اليميني المتطرف المتهم بمولاته لروسيا، والذي يعد اليوم الحزب الأكثر شعبية في البلاد، قبل أشهر من الانتخابات التشريعية المقررة في الخريف.

والشهر الماضي، كشف المدعون النمساويون، أن الرجال الذين يُعتقد أنهم وضعوا الأساس لهذا الإجراء الأمني ضد وكالة الاستخبارات، هم عملاء روس يقودهم جان مارساليك، الرئيس التنفيذي السابق (الهارب) للعمليات في شركة معالجة المدفوعات المنهارة “وايركارد”، والذي تقول السلطات إنه يعمل لصالح وكالة المخابرات العسكرية الروسية GRU.

وتُمثل فكرة وجود مؤامرة تقودها موسكو “قنبلة موقوتة” لعدد من الأسباب؛ أولها أن الخطة كانت في طريقها للنجاح في تحقيق أهدافها، لولا فضيحة الفساد التي فجرت الحكومة في عام 2019. 

فضيحة الفساد دارت حول اتهامات لزعيم حزب الحرية ونائب المستشار هانز شتراخه، بيع النفوذ السياسي في البلاد، لسيدة تمثل فئة رجال الأعمال المقربين من الكرملين، ما أدى لانهيار الحكومة.

لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الرجل المسؤول عن مداهمة الاستخبارات الداخلية النمساوية في ٢٠١٨، وهو وزير الداخلية -آنذاك- هربرت كيكل، يرأس الآن حزب الحرية النمساوي، وهو المرشح الأبرز ليصبح مستشار النمسا المقبل.

وعلى الرغم من أن المراقبين السياسيين المتمرسين يصرون على أن النمسا لن تصبح تابعة لروسيا في ظل قيادة حزب الحرية النمساوي، إلا أن ذهاب منصب المستشار لكيكل “يصب في مصلحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”، وفق مجلة “بوليتيكو”.

ورجح التقرير، أن وجود كيكل في هذا المنصب، “سيسمح للكرملين بممارسة المزيد من النفوذ على البلاد خلف الكواليس، وتكرار نجاحه في استمالة دول مثل المجر وصربيا”.

كيف جندت روسيا مارساليك؟ 

وجد الروس في مارساليك، متعدد اللغات الذي كان يتمتع بحسن الكلام، والذي كان لديه ميل للمغامرة، وسيلة مثالية لاختراق المؤسسة الأمنية النمساوية.

وكان للمدير التنفيذي المولود في في فيينا سيرة ذاتية غير تقليدية؛ إذ انضم إلى شركة Wirecard كمسؤول تقني رئيسي في عام 2000، عندما كان العمل الأساسي للشركة هو معالجة المدفوعات الخاصة بالمقامرة عبر الإنترنت والمواد الإباحية.

ومثل العديد ممن امتهنوا التجسس، بدأت مسيرة مارساليك المهنية بما يُعرف في هذه المهنة باسم ”مصيدة العسل“، حيث اصطادت الاستخبارات الروسية الرجل العازب في 2013 عن طريق سيدة شقراء تدعى ناتاشا، وهي عارضة أزياء مثيرة لعبت ذات مرة دور عميلة روسية في فيلم “مصاص دماء” من الدرجة الثانية، بعنوان ”الشفاة الحمراء الثانية-شهوة الدم“.مقر وكالة الاستخبارات الداخلية النمساوية

حدث ذلك حينما أوفد الرئيس التنفيذي لشركة وايركارد، مارساليك إلى موسكو لحشد الأعمال التجارية، ظل الرجل يسافر إلى هناك بشكل متكرر.

ويشتبه المحققون النمساويون في أن ناتاشا، التي استمتع معها مارساليك بحياة السفر في جميع أنحاء أوروبا من سانت تروبيه إلى سانتوريني، لعبت دورًا محوريًا في تجنيده. 

في البداية، كانت المخابرات الروسية مهتمة في المقام الأول بمارساليك لصلته بشركة وايركارد. ويعتقد المحققون أن الروس استخدموا الشركة لغسل الأموال، ودفع رواتب المرتزقة وتمويل أنشطة أخرى غير مشروعة. لكن مع مرور الوقت، بدؤوا يدركون قيمة علاقات مارساليك في النمسا. 

وباعتبارها عاصمة دولة محايدة تقع على مفترق الطرق بين الشرق والغرب، وتستضيف فروعًا مهمة للأمم المتحدة ومنظمة أوبك ومنظمات دولية أخرى، لطالما كانت فيينا مرتعًا للتجسس.

وهذا يفسر سبب وجود عدد أكبر من الدبلوماسيين المعتمدين وموظفي الدعم الروس في المدينة (258 دبلوماسيًا)، أكثر من أي مكان آخر في العالم تقريبًا.

ويقول خبراء الاستخبارات لـ”بوليتيكو”، إن ثلث هؤلاء الموظفين الروس جواسيس على الأرجح.

وعلاوة على ذلك، فإنه من المرجح أن روسيا أرادت التجسس ليس فقط في النمسا، لكن على النمسا، لسبب بسيط: على الرغم من افتقارها إلى النفوذ السياسي على الساحة العالمية، إلا أن فيينا تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي ومتغلغلة منذ فترة طويلة في الحظيرة الغربية وتتعاون مع حلف شمال الأطلسي، ما يمكنها من الولوج لكم هائل من المعلومات. 

وسرعان ما أثبت مارساليك استعداده وقدرته على تحقيق ما أراده الروس، ورغم أن مقر عمل الرجل النمساوي في مكاتب وايركارد في ميونخ الألمانية، وبالتحديد في الجانب الآخر من الشارع المقابل للقنصلية الروسية، لكنه حافظ على علاقات وثيقة مع وطنه الأم ونخبته السياسية. 

وبمرور الوقت، ثقل مارساليك سمعته كلاعب جاد، وعقد اجتماعات مع شخصيات كبيرة في عالم السياسة الأوروبية؛ إذ كان يدعو ضيوفه لتناول الطعام في مطعم كيفر القريب من مقر عمله.

وفي إحدى لقاءاته، جمع مارساليك الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، وإريك فاد كبير مستشاري الأمن السابق، لأنجيلا ميركل، وفولفجانج شوسيل، مستشار النمسا السابق.

وقال توماس ريغلر، المؤرخ المقيم في فيينا والذي كتب على نطاق واسع عن الاستخبارات النمساوية: ”النمسا مثيرة للاهتمام بالنسبة للروس لأنهم يستطيعون استخدامها كمنصة لعمليات التجسس ضد دول أوروبية أخرى“.

بداية العملية

وبحلول عام 2015، قادت اتصالات مارساليك إلى مارتن فايس، الذي كان -آنذاك- رئيس العمليات في المكتب الاتحادي لحماية الدستور. ولم يكن من الواضح متى وأين التقيا بالضبط، إذ يدعي فايس أنه التقى مارساليك لأول مرة في عام 2015 في مؤتمر نظمته وزارة الداخلية، لكن العلاقة كانت مصيرية لكليهما.

وبصفته رئيس ”القسم 2“ في وكالة الاستخبارات، وهو ذراع عملياتها وأكبر أقسامها وأهمها، يمكن القول إن فايس كان أفضل مسؤول استخباراتي مطلع في النمسا.

وفي نهاية المطاف، سيتم اتهامه هو ومسؤول كبير آخر في الوكالة، إيجيستو أوت، من قبل المحققين بتمرير المعلومات إلى مارساليك ومن ثم إلى موسكو. 

سُمي أوت تيمناً بالشخصية الأسطورية الإغريقية إيجيستوس (وهو مخادع سيئ السمعة)، ووُلد لأم إيطالية وأب نمساوي. ويصفه زملاؤه السابقون بأنه كان فظًا و”يعرف كل شيء“. 

ما هو معروف حول عمل الشبكة، أنه في عام 2015، بدأ أوت، الذي كان يقدم تقاريره مباشرةً إلى فايس، إجراء عمليات بحث غير مصرح بها في أجهزة كمبيوتر الشرطة، وغالبًا ما كان يخترع أرقام قضايا وهمية لإخفاء آثاره، وفقًا للمحققين النمساويين.

وكانت عمليات البحث تتضمن عادةً تحديد مواقع الروس المنفيين، وخاصةً أولئك الذين لم يحظوا بقبول الكرملين.

وكان فايس يتلقى الطلبات من مارساليك ويمررها إلى أوت، الذي كان يقدم تقريرًا إلى الأول، وفقًا لملفات التحقيق التي اطلعت عليها “بوليتيكو”.

في إحدى الحالات التي وصفها المحققون، استخدم أوت شبكته لتعقب ضابط مخابرات روسي منشق، عن طريق تعميم بصماته والادعاء بأن الرجل مشتبه به في الإرهاب.

ووفقًا للرسائل التي تبادلها مع فايس، كان أوت بحاجة إلى المال. وتعتقد السلطات أنه تلقى على مر السنين مئات الآلاف من اليورو مقابل تقديم معلومات، لكنه ينفي ذلك.

في أواخر عام 2015، خرج فايس في إجازة مرضية طويلة بعد إصابته في ظهره، اضطر خلالها إلى التخلي عن السيطرة على القسم الثاني في الترتيب الهرمي للاستخبارات، إلا أن تدفق المعلومات استمر بفضل أوت.

التحول إلى الهدف

وفي عام 2017، بعد عودة فايس إلى عمله في منصب رفيع مختلف، قام الرجلان، فايس وأوت، بمهمة أكثر تعقيدًا لصالح مارساليك، كما تزعم السلطات.

هذه الفترة كانت لحظة حساسة في السياسة النمساوية. كانت البلاد في منتصف موسم الانتخابات التي وعدت بإعادة تشكيل المشهد السياسي. 

فبعد سنوات من الائتلاف الكبير الذي قاده الحزب الاشتراكي الديمقراطي، كان حزب الشعب (يمين الوسط) بقيادة زعيم شاب ذي كاريزما يدعى سيباستيان كورتس هو الأوفر حظًا للفوز في الاقتراع.

وكان شريك كورتس المحتمل في الائتلاف، وهو حزب الحرية اليميني المتطرف، حريصًا على السيطرة على وزارة الداخلية.

بالنسبة لمارساليك، كان التحول في السلطة في البلاد يمثل فرصة لتعميق نفوذ روسيا في وكالة الاستخبارات الداخلية النمساوية، وكان يعرف تمامًا أي الأزرار التي يجب أن يضغط عليها.

فحزب الحرية الذي تأسس على نازيون قدامى في خمسينيات القرن الماضي، مستاء بشدة من المؤسسة السياسية، وكل ما كان على مارساليك فعله لتحريض الحزب على وكالة الاستخبارات الداخلية، هو اقناع قياداته بأن الوكالة تسعى للنيل منهم.

وكان كل من أوت وفايس، وكلاهما لديه مشاكله الخاصة ضد وكالة الاستخبارات الداخلية، مثاليين لهذه المهمة؛ ففي أبريل/نيسان 2017، بدأ ملف مجهول المصدر، يعتقد المحققون أن أحد الرجلين أو كليهما قام بتجميعه، في الوصول إلى صناديق بريد الصحفيين والمدعين العامين على دفعات.

اتهم المؤلفان المجهولان قيادة الوكالة بالفساد على نطاق واسع، بما في ذلك إساءة التعامل مع البيانات السرية وإساءة استخدام الأموال العامة في الحفلات الجنسية وغيرها من المساعي غير التقليدية.

وبدا الملف للوهلة الأولى موثوقًا ومليئًا بتفاصيل حقيقية من الداخل حول عمليات وكالة الاستخبارات الداخلية، وورد فيه أسماء العشرات من موظفي الوكالة، لكن الاتهامات لم تصمد أمام التدقيق. 

وأمضى مايكل نيكبخش، أحد كبار الصحفيين الاستقصائيين في النمسا وأحد المتلقين للملف، أسابيع في تقصيه، ليصل إلى نتيجة واقعية: ”لقد كان هراءً في الواقع، لكنه بدا معقولا في البداية”.

الاقتراب من “الحرية”

بالنسبة لمارساليك، كانت كلمة ”معقول“ جيدة بما فيه الكفاية. كان لديه الوسيلة المناسبة للترويج لاستنتاجات الملف: جمعية الصداقة النمساوية الروسية، التي كان عضوًا بارزًا فيها.

وتأسست جمعية الصداقة في أواخر تسعينيات القرن الماضي لتعزيز العلاقات الوثيقة بين البلدين، وضمت في عضويتها رؤساء تنفيذيين لبعض أكبر الشركات النمساوية، بما في ذلك شركة النفط والغاز العملاقة ”أو إم في“، بالإضافة إلى محامين بارزين وجماعات ضغط، وعلى الأقل واحد من عائلة هابسبورغ الإمبراطورية التي حكمت النمسا سابقا، وكبار السياسيين من الأحزاب الرئيسية في البلاد.

كان الهدف الرئيسي لحملة مارساليك هو زعيم المجموعة البرلمانية لحزب الحرية، يوهان غودينوس، وهو من أنصار روسيا المقربين من هاينز كريستيان شتراخه، الذي كان آنذاك زعيم الحزب. 

وبينما كانت محادثات الائتلاف بين حزب الشعب وحزب الحرية جارية على قدم وساق، كان مارساليك يمد غودينوس بمعلومات سلبية عن قيادة وكالة الاستخبارات الداخلية، محذرًا صديقه من أن قوى قوية داخل الجهاز ومتحالفة مع حزب الشعب، تحاول تقويض حزب الحرية.

ولإبقاء اتصالاته سرية، أرسل مارساليك الرسائل إلى غودينوس عبر أحد مؤسسي جمعية الصداقة، فلوريان ستيرمان.

في ذلك الوقت، كان لدى مارساليك سبب وجيه لتسريع عملية تقويض وكالة الاستخبارات الداخلية، إذ كان أوت، مصدره الموثوق به داخل الوكالة، قد تم إيقافه عن العمل للتو، بعد وصول معلومة للجهاز من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بأنه كان يرسل رسائل بريد إلكتروني خاصة بالعمل إلى حسابه الخاص.

لم تكن السلطات قد عثرت على دليل دامغ بعد، لكنها كانت تقترب من ذلك. 

التمهيد للمداهمة

ومع مرور الوقت، قام مارساليك بخطوة محفوفة بالمخاطر؛ ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أرسل إلى غودينوس رقم قضية سرية خاصة بالمكتب الاتحادي لحماية الدستور، وشجعه على وضع يده على الملف، وادعى زورًا أنه يحتوي على معلومات حساسة جمعتها الوكالة عن حزب الحرية.

ومع سيطرة حزب الحرية على وزارة الداخلية في نهاية عام 2017، كانت قيادة الحزب مقتنعة بأن وكالة الاستخبارات الداخلية تحاول بنشاط تقويضهم.

وفي يناير/كانون الثاني 2018، أخبر بيتر غولدغروبر، المسؤول رقم 2 في وزارة الداخلية الذي تم تعيينه حديثًا والذي كان يقدم تقاريره مباشرة إلى كيكل، المدعي العام الذي يتولى قضايا الفساد، أنه تلقى أوامر ”بتنظيف“ الوزارة، وفقًا للملاحظات التي سجلها المدعي العام في الاجتماع. وكان هدفه الأول: المكتب الاتحادي لحماية الدستور.

شجع غولدغروبر المدعي العام على فتح قضية ضد قادة وكالة الاستخبارات الداخلية على أساس المعلومات الواردة في ملف مارساليك الذي أرسل في السابق إلى الصحفيين.

وعلى الرغم من أن الاتهامات كانت غامضة، إلا أن شاهدًا رئيسيًا كان قد تقدم بشهادته: مارتن فايس، ما أدى لموافقة الادعاء العام على مداهمة الشرطة للوكالة.

وكانت المهمة التالية هي العثور على ضباط شرطة لتنفيذ العملية. كان لدى جميع وحدات النخبة في البلاد علاقات مع قيادة المكتب الاتحادي لحماية الدستور، مما يعني أنه كان هناك خطر كبير من أن تكتشف الوكالة أمر المداهمة قبل حدوثها.

واستقر غولدغروبر على القائد بريسزلر، وهو سياسي محلي من حزب الحرية كان يدير وحدة خاصة لجرائم الشوارع، لقيادة المداهمة.

خداع البوابة

وفي يوم التنفيذ، قال بريسزلر لحارس أمن الوكالة بعد أن قرع الجرس: ”صباح الخير يا رفيق، نحن هنا لعقد اجتماع“. وبمجرد دخوله البوابة الأولى، تحولت نبرة بريسزلر إلى نبرة أقل ودًا، وفقًا لروايات شهود العيان، وأمر الحراس بتسليمه مفتاحًا رئيسيًا وتصريحًا إلكترونيًا للمبنى.

عرف بريسزلر وجهته: وصرخ في وجه الحراس قائلاً: “أين مدخل القسم 2؟ وبمجرد الوصول إلى هناك، توجه هو وضباطه إلى الوحدة التي تحقق في التطرف اليميني، بما في ذلك المنظمات التي تربطها علاقات قوية بحزب الحرية، خاصة حركة الهوية المتطرفة.

لم يكن الضباط يعرفون ما الذي يبحثون عنه، لذلك أخذوا كل ما أمكنهم العثور عليه، من الوثائق المطبوعة إلى الخوادم والأقراص المحمولة.

ومن المرجح أن إحدى المطبوعات الموجودة على مكتب مدير الوحدة كانت ذات أهمية خاصة بريسزلر نفسه، وهي دعوة إلى حدث للنازيين الجدد أرسلها النازي النمساوي غوتفريد كوسل، وكان الشرطي قائد المداهمة من بين المدعوين.

لم يتم إطلاق النار في العملية، لكن بحلول الوقت الذي أنهى فيه فريق بريسزلر عمله، كان الهدف الحقيقي للعملية، وكالة الاستخبارات الداخلية، قد تم تحييده.

وكانت المشكلة هي أن وحدة بريسزلر، التي قضت معظم وقتها في مطاردة تجار المخدرات، لم تكن مستعدة بشكل جيد لعملية بحث تضمنت معلومات سرية للغاية.

وكان من بين 40,000 جيجا بايت من البيانات التي صادرتها الشرطة خلال المداهمة، نسخة من ”بنك بيانات نبتون“، وهو قرص صلب يحتوي على سنوات من المعلومات السرية للغاية التي شاركتها وكالات استخبارات غربية أخرى مع النمساويين، بما في ذلك وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والمخابرات البريطانية والموساد.

وليس من الواضح ما إذا كان الروس قد تمكنوا من الحصول على نسخة من القرص الصلب في الفوضى التي أعقبت المداهمة، وفق بولتيكو. 

لكن استيلاء الشرطة على هذا القرص الصلب كان ضربة قاسمة للاستخبارات النمساوية، وفضحية مدوية لمصداقيتها، ترتب عليها قطع الاستخبارات الغربية تبادل المعلومات الحساسة.

وفقدت الوكالة مصداقيتها، وتم إيقاف مديرها بيتر غريدلينغ عن العمل في خضم التحقيق في ملفات الفساد المزعومة، فيما ترك فايس الوكالة وذهب للعمل لصالح مارساليك مباشرة مقر الشركة في ميونخ.

aXA6IDJhMDI6NDc4MDphOjE0NTE6MDoxN2IzOjljNmY6MiA= جزيرة ام اند امز GB

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى