اخبار لايف

العمل المناخي في 2024.. رؤية استشرافية للمخاطر والجهود


“لقد كان عام 2023 عاماً مُتخماً بالمعاناة الهائلة والعنف والفوضى فيما يتعلق بقضايا المناخ”.

هكذا يبدي الأمين العام للأمم المتحدة رؤيته للعمل المناخي وقضايا المناخ عموما في العام المنصرم 2023، وذلك في رسالة بثها أنطونيو غوتيريش بمناسبة العام الجديد 2024 ونشرها موقع الأمم المتحدة.

حملت رسالة غوتيريش تحذيرات مما وصل إليه العالم من حالة فوضى مناخية لكنها لم تخل من أمل في عمل مناخي دولي أكثر فعالية خلال العام الجديد.

“العين الإخبارية” تستشرف في هذا التقرير ما يمكن عليه العمل المناخي خلال 2024 وذلك بعد أيام من اختتام مؤتمر الأطراف للمناخ COP28 الذي استضافته دولة الإمارات، وهل يمكن البناء على نتائج هذا المؤتمر الذي وصفت نسخته بأنه من أنجح مؤتمرات المناخ، وما تضمنه بيانه “التاريخي” الذي أطلق عليه “اتفاق الإمارات”.

الأكثر دفئاً

من المتوقع أن يكون العام المقبل علامة فارقة مثيرة للقلق في تاريخ المناخ، وفقاً لتوقعات مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة.

وتتوقع النمذجة أن 2024 قد يكون العام الأول في تاريخ البشرية الذي يتجاوز حد الاحترار البالغ 2.7 درجة فهرنهايت (1.5 درجة مئوية).

ووُضع هذا الحد في اتفاق باريس، ويعتقد أنه النقطة التي قد يصبح عندها تغير المناخ غير قابل للتراجع.

وعلى الرغم من أن 2023 يعد العام الأكثر دفئاً حتى الآن، فمن المتوقع بالفعل أن يُحطم عام 2024 الرقم القياسي.

ويقول مكتب الأرصاد الجوية إن تغير المناخ، إلى جانب ظاهرة النينيو الكبيرة، ساهم في ارتفاع درجات الحرارة.

ويقدر العلماء أن درجات الحرارة في العام المقبل ستكون بين 2.41 درجة فهرنهايت (1.34 درجة مئوية) و2.84 درجة فهرنهايت (1.58 درجة مئوية) أعلى من متوسط ما قبل الصناعة.

وبحسب صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، يقول الدكتور دونستون، الذي قاد التوقعات: “إن التوقعات تتماشى مع اتجاه الاحترار العالمي المستمر البالغ 0.2 درجة مئوية [0.36 درجة فهرنهايت] كل عقد، وتعززها ظاهرة النينيو. نتوقع عامين جديدين من تسجيل درجات الحرارة العالمية القياسية على التوالي”.

وفي عام 2015، اتفقت الدول على وقف ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى ما يتجاوز 2.7 درجة فهرنهايت (1.5 درجة مئوية)، لأن هذه هي النقطة التي يبدأ عندها المناخ في أن يصبح غير مستقر بشكل خطير.

ويشير دونستون إلى أن حدثاً مؤقتاً واحداً يتجاوز 2.7 درجة فهرنهايت (1.5 درجة مئوية) لن يعتبر انتهاكا لاتفاقية باريس.

ومع ذلك، فهو يقول إن هذا سيكون “بالتأكيد علامة فارقة في تاريخ المناخ”.

وسترتفع درجات الحرارة في العام المقبل بسبب عدد من العوامل، بالإضافة إلى تغير المناخ الذي يسببه الإنسان.

وعلى وجه الخصوص، سيؤدي حدث النينيو إلى ارتفاع متوسط درجات الحرارة بشكل مؤقت.

ويعرف حدث النينيو بأنه تحول في توزيع المياه الدافئة في المحيط الهادئ. وهذا يسبب رياحاً أضعف وبحاراً أكثر دفئاً لفترة قصيرة من الزمن.

وقال البروفيسور آدم سكايفي، من مكتب الأرصاد الجوية: “بالإضافة إلى ظاهرة النينيو، لدينا درجات حرارة مرتفعة غير طبيعية في شمال المحيط الأطلسي والمحيط الجنوبي، وإلى جانب تغير المناخ، فإن هذه العوامل مسؤولة عن درجات الحرارة العالمية المتطرفة الجديدة”.

ويأتي هذا التوقع على خلفية سلسلة من الأحداث الجوية التي حطّمت الأرقام القياسية.

وخلال العام المنقضي 2023، كان نوفمبر/تشرين الثاني الأكثر سخونة في التاريخ، الشهر الخامس الذي يحطم فيه الرقم القياسي على التوالي.

ويقول مكتب الأرصاد الجوية إن عام 2023 تجاوز توقعاته لدرجات الحرارة، ومن المؤكد الآن أنه كان العام الأكثر دفئاً على الإطلاق.

ووفقاً لتوقعات المكتب، سيكون 2024 الآن العام الحادي عشر على التوالي الذي تصل فيه درجات الحرارة إلى 1.8 درجة فهرنهايت (1 درجة مئوية) فوق مستويات ما قبل الصناعة.

وتكمن خطورة التسارع هذا بارتفاع درجات الحرارة والمناخ الجاف، وما قد ينتج عنه المزيد من حرائق الغابات.

وأكد الخبراء أنه منذ بداية الحقبة الصناعية، شهدت درجات حرارة الكرة الأرضية ارتفاعا بنسبة 1.1 درجة مئوية، ليحذّر العلماء من أن الاحترار الذي يتجاوز الحد هذا، قد يدفع الأرض نحو حالة سخونة تجعلها غير صالحة للعيش.

أمل في عمل مناخي دولي أكثر فعالية خلال العام الجديد

البناء على نتائج COP28

مع السعي لمواجهة الاحترار العالمي وما حذرت منه منظمة الأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة لا يمكن تغافل نقطة ضوء مهمة في العمل المناخي خاصة الجهود الدولية المشتركة وهو ما تم التوصل إليه خلال COP28 وظهر في “إعلان الإمارات” الذي وصفه مراقبون بـ”التاريخي”.

وفي هذه النقطة تحديدا بشأن البناء على منجزات COP28 يجب الإشارة إلى نجاح COP28 في تطوير منظومة مؤتمرات الأطراف وإدراج بنود شاملة تتعلق بالوقود التقليدي (الأحفوري) لأول مرة في نص الاتفاق النهائي.

وفي ملف من أصعب ملفات المؤتمر وهو التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري دون التنازل عن أهداف الأجندة المناخية العالميةـ جاء “اتفاق الإمارات” ليُبقي الهدف المنشود بالحفاظ على إمكانية تفادي تجاوز الارتفاع في درجة حرارة الأرض مستوى 1.5 درجة مئوية أمراً ممكناً.

وجاء البند الـ28 من اتفاق الإمارات معبراً عن قناعة رئاسة COP28 أنه لا حلول وسط في أهداف المناخ، ولكن العبرة بكيفية التطبيق ووجود الإرادة السياسية لتحقيق الأهداف بشكل متوازن.

واتفقت الدول الـ 198 الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ على نص يدعو إلى التحول عن الوقود الأحفوري “في أنظمة الطاقة، بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة”.

المسؤول الدولي أكد أن “الإنسانية تتوجع ألماً.. وكوكبنا تتهدده الأخطار”، مشيراً إلى أن  عام 2023 هو أكثر الأعوام المسجلة ارتفاعاً في درجات الحرارة.

أمل في عمل مناخي دولي أكثر فعالية خلال العام الجديد

هدف 1.5 درجة مئوية

انتصر مؤتمر الأطراف للمناخ COP28 للهدف المناخي العالمي المعروف بـ”هدف 1.5 درجة مئوية”، ليضع “اتفاق الإمارات” العالم على مسار العمل المناخي الصحيح للحفاظ على البشرية وكوكب الأرض.

وصدّق مؤتمر الأطراف COP28 في الإمارات على اتفاق دولي تاريخي غير مسبوق للتصدي لتداعيات التغير المناخي، الذي يشكل نقطة تحول استثنائية في مسيرة العمل المناخي الدولي.

وعقد مؤتمر الأطراف جلسة مهمة لعرض صيغة النص النهائية التي تم التوصل إليها، ووصفت بالتاريخية فيما تعهد 198 طرفاً بالإجماع على الحد من الانبعاثات الكربونية مما ساهم في الوصول لمستهدفات COP28 وتجاوز الطموحات المحددة.

وحقق COP28 نتيجةً تحترم العلم وتحافظ على إمكانية تفادي تجاوز الارتفاع في حرارة كوكب الأرض مستوى 1.5 درجة مئوية استجابةً للحصيلة العالمية.

وأكد تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن العالم لا يزال قادراً حتى اللحظة على توفير  المعرفة والأدوات اللازمة للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، بما في ذلك معالجة الجوانب التكنولوجية بالإضافة إلى الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية.

وينبغي للبشر في سبيل الوصول لهذا الهدف الأخذ في الاعتبار مجموعة من الخطوات المهمة أبرزها:

– تخلي الاقتصاد العالمي عن النفط والغاز والفحم.

-التحول إلى الطاقة النظيفة ومنها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة غير الكربونية.

– وضع حد لإزالة الغابات بعدم التوسع في إنتاج لحوم البقر عبر تخصيص تلك المساحات لرعاية الماشية، أو لزراعة فول الصويا وزيت النخيل.

– خفض الطلب على الوقود بتحولات جذرية في قطاع النقل العالمي والتوسع في استخدام السيارات الكهربائية.

– إعادة تصميم المدن والضواحي بطرق تناسب تلبية احتياجات السكان من خلال النقل الجماعي وركوب الدراجات والمشي وما إلى ذلك.

– إزالة الكربون من قطاع الكهرباء، ومنع استخدام الغاز في محطات التوليد، واستبداله بالطاقة الشمسية وغيرها من الطاقة النظيفة.

– زيادة الغطاء النباتي العالمي لزيادة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي عن طريق عملية التمثيل الضوئي الشهيرة، ومن ثم تخزين الكربون في الأشجار والتربة.

– التوعية باتجاه السلوكيات الصديقة للبيئة والموفرة للطاقة وتغيير العادات الغذائية للناس باستهلاك كميات أقل من اللحوم.

أمل في عمل مناخي دولي أكثر فعالية خلال العام الجديد

التمويل والتعهدات

نشر برنامج الأمم المتحدة للبيئة مؤخراً مسودة مشروع أممي بشأن التكيف أشار إلى أنه لم يُحرَز تقدم يذكر بشأن (CGA) “Climate Goal for Adaptation” على مدى السنوات الست الماضية، يحث البلدان المتقدمة على مضاعفة التمويل من مستويات عام 2019 بحلول عام 2025.

وحدد التقرير الأممي 7 طرق لزيادة التمويل، بما في ذلك الإنفاق المحلي والتمويل الدولي وتمويل القطاع الخاص.

وتشمل السبل الإضافية التحويلات المالية، وزيادة التمويل وتكييفه للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وإصلاح الهيكل المالي العالمي على النحو الذي اقترحته “مبادرة بريدجتاون”، وتنفيذ المادة 2.1 (ج) من اتفاق باريس بشأن تحويل تدفقات التمويل نحو مسارات تنمية منخفضة الكربون ومقاومة للمناخ، وإصلاح الهيكل المالي العالمي.

ولكن مع تسارع التأثيرات المناخية، فإن الفجوة المالية لجهود التكيف أكبر بنسبة 50% على الأقل مما كان يعتقد، ويؤدي الفشل في تعزيز التكيف إلى آثار هائلة بشأن الخسائر والأضرار.

ونتيجة للاحتياجات المتزايدة لتمويل التكيف وتعثر التدفقات، تقدر الفجوة الحالية في تمويل التكيف الآن بما يتراوح بين 194 و366 مليار دولار سنوياً.

وثمة نتائج طيبة وغير مسبوقة تحققت في COP28 يمكن البناء عليها لتحقيق مخططات التكيف العالمية.

وسيكون صندوق الخسائر والأضرار الذي تم إقراره في أول أيام COP28 أداة هامة لتعبئة الموارد، وسيحتاج الصندوق إلى التحرك نحو آليات تمويل أكثر ابتكارا للوصول إلى الحجم اللازم للاستثمار.

ومن المرتقب وفقا لإعلان الإمارات التاريخي اختيار مجلس صندوق الخسائر والأضرار قبل ٢٤ يناير/كانون الثاني 2024، ومن المرتقب كذلك بدء تنفيذ البنك الدولي آليات جديدة لتمويل العمل المناخي أعلن عنها خلال مؤتمر المناخ الأخير في دولة الإمارات.

أمل في عمل مناخي دولي أكثر فعالية خلال العام الجديد

بناء الثقة واستعادة الأمل

عودة إلى رسالة غوتيريش في مستهل 2024 التي أكدت أنه “لا فائدة ترجى من الإشارة بأصابع الاتهام أو تصويب البنادق.. فالإنسانية تكون في أقوى حالاتها عندما نتساند.. ويجب أن يكون عام 2024 عاماً لإعادة بناء الثقة واستعادة الأمل”.

ويجب أن نمد جسور التلاقي فوق الانقسامات للتوصل إلى حلول مشتركة، من أجل التعامل مع مشاكل المناخ، وإتاحة فرص اقتصادية وإقامة نظام مالي عالمي أكثر عدلا يعود بالفائدة على الجميع، يضيف الأمين العام.

كما يجب أن نقف معا ضد التمييز والكراهية اللذين يُسممان العلاقات بين البلدان والمجتمعات، وأن نكفل أن تكون التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي قوة من أجل الخير.

وختم غوتيريش رسالته بالدعوة لعقد العزم على جعل عام 2024 عاما لبناء الثقة والأمل في كل ما يمكننا تحقيقه معاً.

aXA6IDE5Mi4yNTAuMjM5LjExMCA= جزيرة ام اند امز GB

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى