news

«المتحدة» تخصص ميزانية ضخمة لإنتاج «الحشاشين».. وكريم عبد العزيز يجسّد المعلم الأول لتنظيم الإخوان

بمجرد عرض “40” ثانية، هو زمن «برومو مسلسل الحشاشين»، على شاشات الفضائيات، اتسعت الأحداق، وانفتحت الأفواه دهشة وانبهاراً باللقطات، والكادرات، التي لا نبالغ في تشبيهها بالملحمة الدرامية الأمريكية الشهيرة “صراع العروش ” Game Of Thrones”، من روعة القلاع القديمة، وفخامة الديكورات، والملابس التي حملت المشاهدين معها إلى أغوار سحيقة من تاريخ مثير للشغف، لم يعشه أحد من قبل، وربما لم يقرأ عنه إلا أقل القليل.

ثارت في رؤوسنا عشرات الأسئلة، حول المسلسل المقرر عرضه في رمضان، بقيادة المخرج بيتر ميمي، ويتصدر بطولته نجم بحجم كريم عبد العزيز، في مغامرة كبرى هي الأولى في تاريخ “كريم” المرصّع بالرومانسية وخفة الظل وأدوار البطل الطيب المنقذ، ها هو يتحوّل “180” درجة، ويصبح زعيم أكبر فرقة دينية نسجت الأساطير حول جرائم القتل والاغتيالات التي مارستها بدم بارد، تحت مسميات مختلفة، ليجسد “حسن بن الصباح”، الذي اختلف حوله المؤرخون في الشرق والغرب، ولكنه بقي “السيئ في روايات الجميع”، الزعيم السفاح الذي ظهر في القرن “11م”، واتخذ من الدعوة لمذهبه “الإسماعيلي” بداية للتمرد على سلطة الدولة، وتنفيذ عمليات اغتيالات، والتباهي بنقش أسماء الضحايا على ألواح تذكارية!

نسج النص الدرامي، السيناريست والكاتب الكبير عبد الرحيم كمال، صاحب روائع “جزيرة غمام، الخواجة عبد القادر، أهو ده اللي صار”، ولا نخفي إشفاقنا عليه، فالحِمل ثقيل، والروايات تحتاج سنوات لهضمها، وعشرات الزوايا طرحها مستشرقون وكتّاب تاريخ لا نعرف نواياهم، سردوا توليفة من الأحداث المتشابكة ذات الحبكات المربكة لأعتى كتاب السيناريو، ولكن “مربط الفرس” معلوم للجميع، زعيم الحشاشين الذي صال وجال من بلاد فارس (إيران)، مروراً بالعراق وسوريا وفلسطين، وصولاً إلى مصر، وحياته بالقاهرة والإسكندرية، واشتباكاته مع العديد من قادة هذه الدول، انتهاء باستقراره في قلعة “الموت” في إيران، حيث عاش هناك ما يزيد على “30” عاماً، حتى قضى نحبه (وقيل إن التتار قتلوه بأيدي زعيمهم هولاكو).

كان “حسن بن الصباح” أسطورة تتحاكى بها كتب التاريخ التي سطرها الرحالة الأجانب، أمثال ماركو بولو، وبرنارد لويس، وبارتوليميه هيربولت، وسلفستر دي ساسي، أو الفرس أمثال الأصفهاني ورشيد والجويني، واستلهم العراب أحمد خالد توفيق من أحداثها الدموية روايته “قلعة السفاحين”، وهو ما ظهر في أول لقطة بـ”البرومو”: (كريم يفتح باباً للنيران المستعرة، ويقف معطياً ظهره للكاميرا)، في دلالة واضحة على سير أحداث المسلسل الذي يتناول ملحمة تاريخية لم تتطرق لها الدراما المصرية من قبل، وتعتبر تجربة رائدة لشركة “المتحدة”، بتخصيص مئات الملايين كميزانية هي الأضخم في تاريخ الدراما، بسبب تكاليف الديكورات والملابس التاريخية (التي كانت سبباً رئيسياً في هروب صناع الدراما في السنوات الأخيرة).

يستعرض “الحشاشين” تفاصيل تمزج الواقع بالخيال، لفئة متمردة، قادها “حسن الصباح”، مجنداً أتباعه من “الخارجين عن الملة والقانون”، يأتمرون بأوامره، ويرتكبون أبشع جرائم القتل، تحت راية “الجهاد المقدس”، وتباينت الروايات بين “مزاعم تبرير القتل بالاستشهاد”، أو “الترغيب بالجنة التي بنى لها نموذجاً أرضياً بالقلعة”، أو “تقديم مخدر الحشيش والقنب الهندي لضمان الطاعة العمياء”، وبرغم اختلاف المؤرخين حول استخدام هذه الوسائل، إلا أنهم اتفقوا جميعاً على أن أتباع “الحشاشين” كان يربطهم “الولاء المطلق للزعيم”، كأول وأقوى تنظيم سري اتخذ من الدين ستاراً لتنفيذ الاغتيالات ضد قادة السلاجقة والفاطميين والعباسيين والأيوبيين، وأشهرهم محاولة اغتيال صلاح الدين الأيوبي، واغتيال عدد من الأمراء “الكاثوليك”، مما كان “مصدر إلهام” لـ”حسن البنا”، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، بعدهم بقرون، لدرجة أن الشيخ سيد قطب، كان يمازح ابن شقيقته الإخوانى أحمد محمد موسى، دائماً بقوله: “ماذا فعل بكم حسن الصباح وجماعته الحشاشون؟”، فكلاهما (الإخوان والحشاشون) قاما في بداية الحركة برفع لواء الدفاع عن الدين، ضد الدولة (الغاشمة من وجهة نظرهما)، اعتماداً على ضم أتباع “صم بكم عمي لا يفقهون إلا أوامر القائد الملهم”، وشيئاً فشيئاً فاضت بحار من دماء المسلمين، لأسباب تتعلق بالسلطة والنفوذ، بأيدي الميليشيات المسلحة.

اعتمد الحشاشون (والإخوان) على سياسة المراوغة في تنفيذ الاغتيالات وتصفية الخصوم السياسيين، وفي الوقت الذي كان حسن الصباح ينتمي للطائفة الإسماعيلية الشيعية، كان حسن البنا يروج للشيعة (ولكن في الخفاء)، لدرجة أن نواب صفوي (رئيس منظمة فدائيان إسلام التي اشتهرت بتنفيذ الاغتيالات) قال، مطلع الخمسينيات: “من أراد أن يكون جعفرياً حقيقياً، فلينضم لصفوف الإخوان المسلمين”، ومن المعروف أن الجعفرية هي المذهب الشيعي الإثنى عشري.

لا شك أننا تابعنا، في حقبة حكم الإخوان، الطاعة العمياء، والقسم بـ”دين الإخوان”، وفي كتاب “المنتظم في تاريخ الملوك والأمم”، قال “ابن الجوزي” إن رسول السلطان “ملك شاه” السلجوقي، ذهب لأمير الحشاشين، الذي طلب من أحد أتباعه أن “يقتل نفسه” أمام الرسول، فـ”دبّ السكين في قلبه ليخرّ ميتاً”، ثم طلب من آخر أن يلقي بنفسه من شرفة القلعة، ففعلها، وهوى من قمة الجبل، وسط ذهول رسول السلطان، ليلتفت له زعيم الحشاشين قائلاً: “أخبر سلطانك أن عندي من هؤلاء عشرين ألفًا هذا حدّ طاعتهم لي”.

وتذكر بعض الروايات، أن أحد كبار “الحشاشين”، كان يدعى “الطائر عمر بن لا أحد”، وهو الاسم الذي ذكّرنا، من جديد، بإحدى حلقات المسلسل الأمريكي الأشهر “صراع العروش/ Game Of Thrones”، وكانت بعنوان “لا أحد/No One”، تناولت قصة انضمام إحدى بطلات المسلسل (آريا ستارك)، لتنظيم سري قاتل يطلق عليه “لا أحد”!!

وحتى لو لم يكن مصطلح “الحشاشين” ذا علاقة بمخدر الحشيش، واشتقاقه من “ASSASSIN”، أو القتلة باللغة الإنجليزية، إلا أنها تظل الفرقة الإسلامية الأكثر جدلاً في التاريخ، ومثار إلهام الأدباء، خصوصاً أميرهم “حسن الصباح”، الملقب بـ”شيخ الجبل”، أو “سيدنا”، الذي بث الرعب في القلوب، وألهب خيال صناع السينما في “هوليوود”، عام 2010، بفيلم ” Prince of Persia: The Sands of Time “، وجسد الممثل الأيسلندي Gísli Örn Garðarsson، دور حسن الصباح، وبعدها تناول طائفة الحشاشين فيلم “Assassin’s Creed”، في 2016، لتأتي الملحمة التركية “نهضة السلاجقة العظمى”، في 2020، إذ جسد الممثل “جوركان أويجون”، دور الصباح، وبعد أن أبدى كل من طارق لطفي وباسم سمرة، أمانيهم لتجسيد الدور، ها هو النجم كريم عبد العزيز يطل في “الحشاشين 2024″، والذي سبق أن طرح “برومو” للمسلسل “من عرض البحر”، يحاول النجاة من الغرق، وهو يردد: “اطمّن.. مفيش ألم.. مفيش موت.. فيه طيران أسرع من البرق لروحك.. من هنا للجنة.. أنا صاحب مفتاح الجنة.. أنا حسن بن الصباح”!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى