اخبار لايف

روسيا في أفريقيا.. «شراكة استراتيجية» و«دروع أمنية» تملأ فراغ الغرب


فراغ كبير خلفه الغرب في أفريقيا، تزحف عليه موسكو، وتراكم نفوذا عبر سياسة تستند إلى عاملين؛ ضمان الأمن والشراكة.

ويتراجع وجود القوات الفرنسية والأمريكية في بعض دول منطقة الساحل الأفريقي لصالح بديل روسي جاهز، يطرح علاقة مختلفة بعيدة عن السيطرة والهيمنة، تميل إلى تبادل المنفعة والندية.

“أفريقيا تنظر إلى روسيا كضامن للأمن، وموسكو لا تخشى المنافسة النزيهة في القارة بل هي مستعدة لها”، حديث لنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف لخص وجهة نظر روسيا في طبيعة الصراع النفوذ مع الغرب بالقارة السمراء.

ولاقت تصريحات بوغدانوف حول علاقة بلاده بأفريقيا انتشارا واسعا، وأثارت ردود فعل كبيرة عن طبيعة التغلغل الروسي وأشكاله وأهدافه في القارة الواعدة، في وقت يتراجع فيه النفوذ الغربي إلى درجة طرد القوات الفرنسية والأمريكية من بعض دول الساحل الأفريقي أحد أهم المعاقل الكبيرة للغرب في أفريقيا.

بالتوازي مع عمل روسيا على ملء الفراغ الغربي سريعا كبديل جاهز يطرح علاقة مختلفة بعيدة عن السيطرة والهيمنة إلى مساحات أرحب من تبادل المنفعة والندية.. فهل انتصرت موسكو بالفعل في تمددها بأفريقيا أم أن تكرار الفشل الأمريكي والغربي فيها ساعد كثيرا في حسم هذا الصراع لصالح روسيا وبسهولة؟

الغرب كبل أفريقيا

وتعقيبا على ذلك، قال الخبير التشادي في الشأن الأفريقي، محمد شريف جاكو، لـ”العين الإخبارية” إن حديث المسؤول الروسي به مصداقية، على الأقل في أذهان الجيل الجديد من الشباب الأفريقي، خاصة في أفريقيا الفرنسية حيث سئموا من الوجود الفرنسي.

فالشباب الأفريقي، وفق جاكو، “بدأوا لا يعترفون باستقلال دولهم عن الغرب وبالأخص فرنسا، فدول أفريقيا الغربية تؤكد أن ما حصلت عليه من استقلال في ستينيات القرن الماضي ليس باستقلال، لأن هذه الدول مكبلة باتفاقيات عسكرية وسياسية واقتصادية “مجحفة”، لدرجة أن 50% من اقتصاديات هذه الدول موجودة في بنك فرنسي.

وأشار إلى أن “الأغرب من ذلك نجد أن الشركات الفرنسية العاملة في أفريقيا تدفع ضرائبها في البنك المركزي الفرنسي وليس في البنك المركزي الأفريقي، وذلك وفقا لهذه الاتفاقيات، وكذلك وجود العسكر الفرنسيين في أفريقيا، لو ارتكبوا أي جريمة بقتل مواطن مثلا، ليس من حق القضاء الأفريقي محاكمته، ويتم الاكتفاء بتسليمه إلى السفارة الفرنسية لترحيله فقط”.

رؤية جديدة

ووفق الخبير التشادي فإن كثيرا من الرأي العام الأفريقي كان لا يعلم شيئا عن هذه الاتفاقيات إلا بعد طرد القوات الفرنسية من دول الساحل، وإنه تم إخراج هذه الاتفاقيات من الأدراج المغلقة إلى فضاء الرأي العام.

واعتبر أن “ذلك ساعد في تشكيل رؤية جديدة، وجعلهم يتمنون الآن بكل معنى الكلمة البديل الروسي عن فرنسا وأمريكا، فإذا رأينا حجم التأييد لقيادات مالي وبوركينا فاسو والنيجر بسبب طردهم للوجود الفرنسي والأمريكي فهو كبير، ومن الشباب الأفريقي عامة من أقصى الشمال لأقصى الجنوب، تعزيزا للسيادة الأفريقية، ووقفا للاستعمار الاقتصادي والسياسي والعسكري من قبل الغرب، واستبداله باتفاقيات عسكرية مع روسيا”.

الشارع الأفريقي، وفق جاكو، أشاد بهذه الاتفاقيات مع موسكو، لأنها أعطت كل احتياجات هذه الدول دون قيود، على خلاف فرنسا وأمريكا اللتين لديهما شروط قاسية، موضحا أن الوجود الروسي مكن هذه الدول من طرد الكثير من الجماعات الإرهابية من أراضيها.

وأشار إلى أن “حديث المسؤول الروسي ليس جديدا وهو نفس ما قاله أحد الأعضاء المعارضين في البرلمان الفرنسي، بأن روسيا أعطت الأمن للأفارقة والصين أعطت تنمية مستدامة، بينما فرنسا نقلت لأفريقيا نموذج الشذوذ الجنسي”.

أفريقيا تحتاج إلى الأمن والتنمية، ولا تحتاج إلى مثل هذه الثقافات، فالجيل الصاعد في القارة السمراء يتمنى أن تكون هناك شراكة مع روسيا والصين والبرازيل والهند وتركيا وإيران، وليس مع أمريكا والغرب، هذا هو التوجه الآن في أفريقيا، وأن الشعب الأفريقي يتطلع إلى حياة جديدة باستقرار سياسي وعسكري واقتصادي، وفق المصدر ذاته.

روسيا حاضرة بقوة

واتفق معه الباحث السوداني في الشأن الأفريقي، محمد تورشين، مؤكدا أن “حديث نائب وزير الخارجية الروسي نابع عن التوجهات والمبادئ الخارجية الروسية والمرتبط بالإهتمام الكبير جدا بأفريقيا.

وأضاف تورشين لـ “العين الإخيارية” أن الإهتمام الروسي بدأ منذ الاستراتيجية الروسية التي أطلقها الرئيس فلاديمير بوتين في عام 2002، فالعلاقات الروسية الأفريقية بدأت تتوطد منذ ذلك التاريح، ومؤخرا أصبحت روسيا حاضرة في كثير من الملفات الأفريقية، وخاصة في دول الساحل الأفريقي، في مالي وبوركينا فاسو والنيجر بالإضافة إلى ليبيا وأيضا علاقتها المتميزة مع أفريقيا الوسطى، علاوة عن رغبتها في الحضور في السودان وبعض الدول الأفريقية.

كل ذلك جعل روسيا قوة لا تقل أهمية عن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا في القارة، عبر دعم مسألة الأمن والاستقرار والتسليح والحصول على الترسانات العسكرية، فالطيران الروسي بات حاضرا في كثير من البلدان الأفريقية، بحسب تورشين.

شروط قاسية

وعن الفرق بين روسيا والغرب، قال الخبير السوداني إن موسكو لا تربط موضوع التسليح بأي شروط، كالشروط المرتبطة بقضايا الحريات والديمقراطيات في بعض الأنظمة كما تفرضها الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيون، مؤكدا أن ذلك أسهم بشكل مباشر في أن الدول الأفريقية تلجأ إلى روسيا، فنجد أن معظم الدول الأفريقية دائما تهتم بالتسليح الروسي سواء الطائرات أو بالأسلحة العادية، وذلك نتيجة الشروط القاسية التي يفرضها الغرب وربما لا تتسق مع كثير من الأنظمة الحاكمة في أفريقيا.

وضرب مثالا على ذلك بنيجيريا التي تعتبر من الديمقراطيات الصاعدة في القارة، لكن أمريكا رفضت تسليحها بالطائرات وبالتالي لجأت إلى روسيا للحصول عليها، معربا عن اعتقاده بأن روسيا من خلال هذه المقاربات تسعى لأن تكون حاضرة في أمن واستقرار القارة الأفريقية.

قبل أن يستدرك “لكن أرى أن ذلك لن يكون بلا ثمن، فروسيا تسعى إلى مصالحها وتوجهاتها العامة من خلال الاستثمار في أفريقيا، ومن خلال الاعتماد على البعد العسكري والأمني، فضلا عن ذلك تستغل بشكل كبير جدا التعقيدات التي تعاني منها القارة، وفشل الشراكات التي عقدتها الدول الأفريقية مع الاتحاد الأوروبي من قبل، وكذلك فرنسا وبريطانيا وحتى أمريكا بحضورها المحدود والضعيف جدا”.

لا تخشى المنافسة

وكان ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي قد أوضح في مقابلة مع مجلة “نيو إيسترن آوتلوك” أمس الإثنين أن روسيا لا تخشى المنافسة العادلة وهي مستعدة لها، وأنها تقدم نفسها لأفريقيا كضامن جاد للاستقرار والأمن، فضلا عن تقديم كفاءاتها التقليدية والمطورة حديثا والفريدة في بعض الأحيان.

وأضاف “بناء على رد فعل شركائنا الأفارقة هناك طلب متزايد على المساعدة التي يقدمها بلدنا في منطقة الصحراء والساحل وعلى نطاق أوسع في جميع أنحاء القارة، فالاهتمام بأفريقيا في جميع أنحاء العالم أصبح الآن كبيرا ويتزايد باستمرار، لأن الحديث جار عن قارة المستقبل ذات الموارد الطبيعية والبشرية التي لا تنضب، كما تمثل سوقا ذا هوامش ربحية عالية بشكل متزايد في عدة مواقع”،

وتابع “ونتيجة لذلك فإن المنافسة بين اللاعبين الخارجيين على مكان تحت الشمس الأفريقية خطيرة، وبالإضافة إلى المتنافسين التقليديين المتمثلين في دول الغرب الجماعي هناك المزيد والمزيد من ممثلي الشرق والجنوب العالميين”.

 وأكد أن روسيا على استعداد للمساعدة في تعزيز الإمكانات الحالية للبلدان الأفريقية، دون وضع أي شروط سياسية ودون تقديم المشورة غير المرغوب فيها، لافتا إلى أن هذه ميزة موسكو التنافسية، فأولوية روسيا هي دعم وتعزيز سيادة الدول الأفريقية وضمان الأمن القومي لدول القارة.

aXA6IDJhMDI6NDc4MDphOjE0NTE6MDoxN2IzOjljNmY6MiA= جزيرة ام اند امز GB

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى