اخبار لايف

«عنتيبي» ومصر.. هل تفاقم «توترات النيل» أزمة سد النهضة؟


دولة جنوب السودان تصادق على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل في خطوة قد تضر – في حال تفعيل الوثيقة- بحصة مصر والسودان من نهر النيل.

وأعادت مصادقة جوبا على الاتفاقية الإطارية المعروفة باسم “عنتيبي” فكرة تقسيم المياه من جديد بين دول الحوض، ما يجدد القلق والمخاوف في مصر والسودان من قرب دخول الاتفاقية المثيرة للجدل حيز النفاذ.

فبعد 14 عاما من الإعلان عن الإتفاقية، قامت رئيسة المجلس التشريعي الوطني الانتقالي بدولة جنوب السودان جيما نونو كومبا بتسليم الرئيس سلفاكير ميارديت 4 مشاريع قوانين للتوقيع عليها، بينها اتفاقية “عنتيبي”.

وتعارض القاهرة والخرطوم الاتفاقية، وتتمسكان باتفاقيات 1902 و1929 و1959 التي ترفض الإضرار بدول المصب، كما تقر نسبة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، ونسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان.

وفي وقت لم تعلق فيه مصر والسودان رسميا على تصديق جوبا على الاتفاقية، تروج أنباء عن أن الجهات المسؤولة عن ملف المياه والعلاقات مع حوض النيل في مصر تدرس الموقف حالياً، وستعمل على اتخاذ موقف في التوقيت المناسب.

حصص تاريخية

يعود الجدل حول الاتفاقية إلى عام 2010، حين قادت إثيوبيا حملة بين دول حوض النيل (11 دولة)، للموافقة على «الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل» التي تُنهي الحصص التاريخية لمصر والسودان المقررة في اتفاقيات المياه مع دول حوض النيل (55.5 مليار متر مكعب لمصر، و18.5 مليار متر مكعب للسودان).

كما تفتح الباب لإعادة تقسيم المياه بين دول الحوض، وأقرت الاتفاقية 6 من دول منابع نهر النيل، وهي إثيوبيا، وأوغندا، وكينيا، وتنزانيا، ورواندا وبوروندي، إلى جانب جنوب السودان الآن.

ويتطلب دخولها حيز التنفيذ تصديق ثلثي الدول المشاركة فيها، في حين رفضت دولتا المصب مصر والسودان الموافقة على الاتفاقية إضافة إلى الكونغو الديمقراطية.

دلالات التوقيت

يأتي تصديق جنوب السودان على الاتفاقية في وقت بالغ الأهمية، ويعتقد محللون أن الخطوة قد تؤشر لاحتمال تعرض جوبا التي تربطها علاقات جيدة بالقاهرة، لـ”ضغوط” جعلتها في الضفة الجنوبية من النهر مع دول المنابع، وذلك رغم المشاريع المائية الكبيرة التي أقامتها مصر على أراضيها.

ويعني ذلك- وفق ما فسره خبراء- احتمال وجود “اختلافات بوجهات النظر” على مستوى العلاقات بين جنوب السودان ومصر والسودان، في فرضية تظل مجرد طرح في الوقت الراهن في ظل عدم وجود أي حيثيات تدعم ذلك.

لكن الاستفهام المتفجر يظل: إلى أي مدى سيؤثر هذا الموقف على كل من دولتي المصب، وأيضا على موقف إثيوبيا المتعنت بملف سد النهضة؟

مفاجئ

ترى الدكتورة المصرية أماني الطويل، مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أنه لم يكن من المتوقع أن تخطو جوبا هذه الخطوة.

وترجح الطويل، في حديث لـ”العين الإخبارية”، أن تكون “جوبا تعرضت لضغوط مستمرة بشأن هذا التوقيع”.

وأضافت أن “جنوب السودان لها حدود مشتركة مع إثيوبيا، وأن الأخيرة تمتلك أوراق ضغط كبيرة عليها”، لافتة إلى أن “الدبلوماسية المصرية انشغلت بالفترة الأخيرة بملفات متوازية وحرجة أخذت تركيزها عن عنتيبي إلى حد ما”.

وبحسب الخبيرة، فإن “تصديق جنوب السودان على الاتفاقية يجعل مصر مطالبة ببذل مزيد من الجهد للحفاظ على مياه النيل”، موضحة أن توقيع أكثر من دولة على الاتفاقية يؤثر على موقف القاهرة وعلى التدفقات المائية الواردة لها من النهر وفق حقوقها التاريخية.

وأكدت أن “هذا يشكل تحديا كبيرا للقاهرة”، داعية مصر لـ”أن تنشط في هذا الملف إلى جانب الملفات الكثيرة التي تديرها”.

السبيل الوحيد

من جانبه، يعتبر الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، أن توقيع جوبا على الاتفاقية “لا يلزم مصر والسودان”.

وقال شراقي لـ”العين الإخبارية”، إن “التوقيع أو التصديق على الاتفاقية ليس معناه فرض قرارات على مصر، فهي لا تعترف بالاتفاقية التي لا تعطي الحق بإقامة مشروعات تضر بالقاهرة والخرطوم”.

ولفت إلى أن “التعاون بين دول حوض النيل هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة”.

وأوضح الخبير المصري أن المياه في العالم هي قضايا توافقية، وأنه ليس هناك ما يلزم فيها دون توافق، وأن مصر لديها اعتراضات على الاتفاقية لأنها تضم بندا يمنح دول المنبع حق إقامة المشروعات دون الرجوع أو التوافق مع دول المصب، أو حتى دون الإخطار المسبق.

وقال إن هذا البند يتعارض مع القوانين الإقليمية والدولية التي تنظم حق الانتفاع بالأنهار والمجاري المائية المشتركة بين الدول.

وحذر من أن “خطوة جنوب السودان تقوي الموقف الإثيوبي في سد النهضة، وتعطي إشارة بأن دول الحوض تتكتل ضد مصر”، معربا عن “استغرابه من المصادقة  في هذا التوقيت خصوصا أن جنوب السودان ظلت محايدة في هذا الموضوع بعدم التوقيع”.

بعد سياسي

من جهته، أشار عثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة “التيار” السودانية، إلى أن هذا الملف سبق أن شهد خلافات طويلة بين دول حوض النيل، وأنه وصل إلى مرحلة النسيان الآن”.

وقال ميرغني لـ”العين الإخبارية”، إن “بعض دول الحوض كانت متحمسة جدا في السابق لاتفاقية عنتيبي وخصوصا أوغندا، والتي كانت ترفع شعار الماء مقابل المال مثل النفط”.

وأضاف أنه “لأسباب كثيرة تم السكوت عن هذا الملف، ربما نظرا للقضايا السياسية وحالة عدم الاستقرار في المنطقة، إضافة إلى الضغوط الدولية على هذا الملف المعقد”.

واعتبر أن “جنوب السودان تبنت وجهة النظر الأوغندية في هذا الموضوع”، معربا عن اعتقاده بأن “لهذه القضية بعدها السياسي بعيدا عن حرب المياه”.

وقال إن جوبا وقعت لأنها دولة استوائية، ولا تتأثر بالمياه، فلديها فائض منها في منطقة السدود، وتأثير المياه عليها ضعيف.

وفي 14 مايو/أيار 2010، وقعت إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا على الاتفاقية، قبل أن تنضم إليها لاحقا دول كينيا وبوروندي.

ولم تتم المصادقة على الاتفاقية رسميا إلا بعد نحو 3 سنوات من التوقيع، إذ صادقت عليها إثيوبيا في يونيو/حزيران عام 2013، وتلتها رواندا في أغسطس/ آب من العام نفسه.

وبعد عامين، وتحديدا في 2015، صادقت تنزانيا على الاتفاقية، تلتها أوغندا في 2019، ثم بوروندي في 2023، في حين لم تصادق عليها كينيا رغم أنها كانت جزءا من التوقيع الأولي.

بلا دلالات؟

أما الكاتب الصحفي السوداني عثمان ميرغني، فيعود ليربط موقف جوبا بأوغندا أكثر من ارتباطه بأديس أبابا، معتبرا أن توقيت التصديق ليس له دلالة، نظرا لوجود تجاذبات كثيرة في المنطقة.

وقال إن مصر كانت قد عالجت الموضوع جزئيا بإنشائها مشاريع مائية في دول الحوض وعلى رأسها تنزانيا، لافتا إلى أن النيل الأبيض هو الأقل مساهمة في النيل.

وأوضح أن المسار الأكبر هو النيل الأزرق الذي يمر من إثيوبيا لمصر والسودان، مشيرا إلى أنه قد لا يكون لهذا التصديق تأثير مباشر على القضية، ولكن سيكون له بعد في النيل الأزرق.

وبالنسبة له، فإن “إثيوبيا فرضت الأمر الواقع بعد الملء الثالث لسد النهضة، وتحدت وملأت الرابع والخامس في الطريق، رغم أنها سبق أن أعلنت أن الرابع هو الأخير، ولكن يبدو أنها كانت محاولة لتهدئة الجانب المصري بتخفيض الكمية المطلوبة للتخزين في السد”.

وبحسب تقارير إعلامية، يُعتقد أن الملء الخامس للسد، والمقرر أن يبدأ نهاية يوليو/تموز ويستمر حتى 10 سبتمبر/أيلول المقبلين، سيكون الأكبر منذ انطلاق عمليات الملء.

وتقول مصر والسودان إن السد سيؤثر بشكل كبير على حصصهما من مياه النيل، وأجريا مع إثيوبيا عدة جولات من المفاوضات لكنها لم تسفر عن اتفاق.

وتتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولا إلى اتفاق ملزم مع أديس أبابا بشأن ملء وتشغيل السد، لضمان استمرار تدفق حصتيهما المائية من نهر النيل، بينما ترفض إثيوبيا وتؤكد أنها لا تستهدف الإضرار بدولتي مصب النيل.

aXA6IDJhMDI6NDc4MDphOjE0NTE6MDoxN2IzOjljNmY6MiA=

جزيرة ام اند امز

GB

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى