اخبار لايف

مبارزة ثانية بين بايدن وترامب.. ماذا تعني للعالم؟


رأي رائج في النقاشات العامة يتحدث عن سياسة أمريكية ثابتة مهما تغير الرئيس، يفتقد وفق تحليل حديث، لأسس منطقية، ويفنده صراع “بايدن ترامب”.

وبمرور الوقت، يتزايد اليقين بأن “شوطا ثانيا” بين دونالد ترامب وجو بايدن، أقرب إلى الواقع من أي بديل آخر، خاصة مع دخول سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية مراحله الحاسمة.

نتائج هذا الصدام الذي سيشغل العالم لمدة طويلة، ستؤثر أيضا، بطريقة أو بأخرى، على ملفات عدة في الساحة الدولية، وكذلك بالداخل الأمريكي، على حد قول ليزلي فينجاموري، مديرة برنامج الولايات المتحدة والأمريكتين في منظمة تشاتام هاوس.

فينجاموري كتبت في مقال بمجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن “شركاء وحلفاء واشنطن حذرون من إمكانية عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وغير مستعدين لمواجهة الاحتمال المتمثل في عالم غير مرتبط بالقوة والقيادة الأمريكية”.

لكن إذا كانت الانتخابات مدفوعة في المقام الأول بالمشاكل الداخلية، فالسؤال الأكثر إلحاحا يتعلق بما إذا كانت تؤثر حقًا على السياسة الخارجية؟

وجهة النظر الأولى

هنا، وللإجابة على هذا السؤال، عرضت الكاتبة لوجهة النظر القائلة بأن الاختيار بين المرشحين الرئيسيين في الانتخابات الأمريكية، غير مهم عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية.

وبعد كل شيء، يزعم البعض أن الرئيس الأمريكي جو بايدن واصل سياسات ترامب الخارجية المتمثلة في اتخاذ موقف متشدد تجاه الصين، بل يٌوصف برنامجه الحمائي ضد المنتجات الصينية، بأنه نسخة محدثة من عقيدة ترامب “أمريكا أولاً”.

وفقًا لهذه النظرة، تعكس سياسة الولايات المتحدة إجماعًا ثنائيًا: أن واشنطن بحاجة إلى تحديد أولويات واضحة تعكس الواقع الجيوسياسي الحالي، وأيضًا أن واشنطن بحاجة لتكييف انخراطها في الاقتصادي العالمي في ظل عالم أكثر تنافسية.

في ظل هذه الأبعاد الحرجة للسياسة الأمريكية، يزعم أصحاب وجهة النظر الأولى، بأن بايدن وترامب أو أي مرشح آخر سيفعلون الكثير من الأمور المتشابه على الساحة الدولية.

تفنيد

لكن هناك سببا للشك في مثل هذه الادعاءات، وفق فينجاموري التي قالت “أولئك الذين يزعمون أن سياسات بايدن تجاه الصين هي مجرد استمرار لسياسة ترامب يبسطون الأمور بشكل كبير”.

وأوضحت “كان أسلوب ترامب وسيظل مفعمًا بالحيوية، فوضويًا، ومثيرًا للاضطراب. في المقابل، سعى بايدن إلى سياسة دبلوماسية رفيعة المستوى مصممة لإدارة التوترات ومنع الحوادث أو سوء التفاهم”.

وركزت استراتيجية ترامب في قمع النفوذ الاقتصادي للصين، على الرسوم الجمركية بشكل شبه حصري.

في المقابل، يسعى بايدن إلى تقليل المخاطر دون فصل الاقتصاد الأمريكي عن الصين. وتقوم إدارته بذلك من خلال استراتيجية تجمع بين ضوابط الصادرات على التكنولوجيا الحساسة، وقيود الاستثمار ، والرسوم الجمركية أيضًا.

وتعد التدابير الاقتصادية المحلية المصممة لزيادة القدرة التنافسية التكنولوجية للولايات المتحدة وخلق فرص عمل عنصرًا أساسيًا في هذه الاستراتيجية الأوسع.

يختلف ترامب وبايدن فيما يتعلق بتايوان أيضا، إذ أشار ترامب إلى أنه لن يدافع عن الجزيرة ذات الحكم الذاتي في مواجهة هجوم صيني. فيما أدلى بايدن بعدة تصريحات تشير إلى أن التزامه الدفاع عن تايوان أقوى بكثير.

وإذا عاد ترامب إلى منصبه، وفق الكاتبة، فـ”ستكون العواقب على العلاقات بين الولايات المتحدة والصين وخيمة.. سيشعر شركاء أمريكا في المحيطين الهندي والهادئ وأوروبا بالآثار وسيكونون مضطرين إلى اتخاذ خيار غير مريح بين الولايات المتحدة والصين”.

أما “الخطر الأكبر” من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فتتمثل في عودة ما بات يعرف بـ”الرئاسة غير المقيدة” في ملف السياسة الخارجية، وتتمثل في قدرة ترامب على قيادة سياسة غير خاضعة للكونغرس بشكل كبير. 

ويبرز في هذا الإطار، قدرة ترامب في فترة حكمه على سحب الولايات المتحدة من العديد من المنظمات متعددة الأطراف الرئيسية، مع القليل من المعارضة من الكونغرس بشكل مدهش.

الكاتبة عادت 24 عاما إلى الخلف لتدلل على تأثير هوية ساكن البيت الأبيض على السياسة الخارجية والعالم بصفة عامة. إذ ضربت مثالا بتدخل المحكمة العليا لحسم الجدل حول نتيجة الانتخابات التي أصابها اضطرابا في العد، وسلمت البيت الأبيض إلى جورج دبليو بوش على حساب آل جور. 

وقالت فينجاموري: “خلقت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، نافذة من الفرص للرئيس الأمريكي لاتخاذ خيارات سياسية جريئة. ولم يكن قرار غزو أفغانستان مفاجئًا، لكن من الصعب تخيل أن آل جور كان سيذهب أيضًا إلى الحرب في العراق لو انتخب رئيسا”.

بالعودة إلى انتخابات 2024 وما ستسفر عنه، فالاختلاف الأساسي بين المعسكرين، سيكون في الممارسات الدبلوماسية وأسلوب إدارة دور الولايات المتحدة في العالم، وفق الكاتبة التي قالت “هذا مهم جدًا. ومن المرجح أن يؤثر على أوروبا أكثر من غيرها”.

وتابعت: “بايدن هو الرئيس الأكثر تأييدا للعلاقات العابرة للأطلسي منذ الحرب الباردة. أما ترامب، في المقابل، فكان يتهم أوروبا باستمرار، بالاستفادة من السخاء الأمريكي”.

وأضافت: “في فترة ولاية ثانية، يهدد ترامب بوقف الدعم الأمريكي لأوكرانيا فجأة وسحب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي (الناتو). حتى لو لم يفعل ذلك، فإن التهديد اليومي بخروج الولايات المتحدة من الناتو سيخلق مستوى من عدم الاستقرار والاضطراب من شأنه أن يقلل بشكل حاد من الفوائد التي يوفرها الحلف للأعضاء”.

تهديد التعددية

يختلف الرجلان أيضًا اختلافًا جذريًا عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ. والأكثر إثارة للقلق تحت إدارة ترامب الثانية، وفق الكاتبة، أن “الالتزام الأمريكي بالتعددية كإطار لمواجهة الأزمات الدولية، سيتعرض للهجوم المباشر من حيث المبدأ والممارسة”.

ولأكثر من سبعة عقود مضت، قدمت الولايات المتحدة العمود الفقري لنظام متعدد الأطراف. وتتمثل الطموحات التي تدعم هذا النظام في تحقيق المزيد من السلام والاستقرار والازدهار.

إذ تعتقد واشنطن أن فرص النجاح أكبر إذا عملت مع الشركاء بدلاً من العمل بمفردها. وعلى الرغم من أن النظام متعدد الأطراف المدعوم من الولايات المتحدة كان غير مثالي، إلا أنه أدرج مجموعة من المبادئ والقواعد التي ساعدت في توفير مزيد من التنبؤ والشفافية والثقة.

ويواجه العالم اليوم مشاكل لا يمكن التعامل معها من قبل أي دولة منفردة، مهما كانت قوية. وأظهرت حرب روسيا في أوكرانيا قوة وضرورة الوحدة الغربية، وفق فينجاموري.

لكن في عام 2016، منح ترامب صوتًا قويًا لأولئك الذين ينتقدون التعددية، وربطها بصعود الصين والآثار السلبية الناتجة عن العولمة على العمال الأمريكيين، وألقى باللوم على منظمة التجارة العالمية (WTO) واتفاقيات التجارة الحرة مثل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA).

وبمجرد وصوله إلى السلطة، قام بتنفيذ هذه الانتقادات. وفي ظل قيادة ترامب، تآكلت قابلية التنبؤ بالتزامات واشنطن المتعددة الأطراف بين عشية وضحاها مع قرار سحب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ.

هنا علقت الكاتبة قائلة “طوال فترة رئاسته، شن ترامب سلسلة من الهجمات على حلف شمال الأطلسي، أساس الأمن عبر الأطلسي، بينما هدد بحرب تجارية مع أوروبا. وأدخل قراره المفاجئ بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني درجة جديدة من عدم الاستقرار في علاقة أمريكا مع أوروبا والتي تستمر حتى يومنا هذا”.

وتابعت: “مع اقتراب انتخابات عام 2024، يخشى الكثير من الناس أن واشنطن يمكن أن تتخذ خطوات لا رجعة فيها نحو الانعزالية إذا عاد ترامب”.

رؤيتان وأوروبا تدفع الثمن

الكاتبة خلصت إلى أن “المرشحين الرئيسيين لرئاسة الولايات المتحدة يقدمون خيارًا بين رؤيتين مختلفتين جذريًا للنظام العالمي المستقبلي. إحداهما، التي يقدمها بايدن، تضع الشركاء والشراكات في مركز استراتيجية الولايات المتحدة، وتسعى إلى إصلاح الإطار المتعدد الأطراف حيثما أمكن ذلك بالشراكة مع الآخرين”.

وتابعت: “الثانية والتي يروج لها ترامب، ترى أن النظام الحالي يتناقض مع مصالح الولايات المتحدة. وبدلاً من محاولة إصلاح الإطار الحالي من المؤسسات متعددة الأطراف أو بناء هياكل مؤسسية أصغر وأكثر مرونة، فإن الرؤية تعتمد على سياسات معاملاتية ونظام “معنا أو ضدنا” يسعى إلى تقويض النظام الدولي، إذ أن شكوك ترامب في التعددية أيديولوجية بقدر ما هي تجريبية”.

وبشكل أكثر تحديدا، كتبت فينجاموري: “من بين جميع المناطق في العالم، استفادت أوروبا أكثر من أي منطقة أخرى من أكثر من سبع عقود من الاستثمار الأمريكي في نظام دولي يعتمد على التعددية”.

واستطردت: “يمكن لولاية ثانية لترامب أن تغير هذا الوضع بسرعة كبيرة. أدت حرب أوكرانيا إلى تصاعد الوحدة عبر الأطلسي وأكد التزام الولايات المتحدة بحلف شمال الأطلسي والأمن عبر الأطلسي. ومن المحتمل أن يتخلى ترامب عن كليهما ويسعى مرة أخرى لجعل ألمانيا منبوذة والرئيس الروسي فلاديمير بوتين صديقًا”.

ومضت قائلة: “يمكن أن يؤدي انسحاب الولايات المتحدة من أوروبا إلى عكس الأمور في أوكرانيا (لصالح روسيا)، مما يترك أوروبا عرضة للخطر مع مهمة شاقة للمساعدة في الدفاع عن أوكرانيا أولاً ثم إعادة بنائها”.

aXA6IDE5Mi4yNTAuMjM5LjExMCA=

جزيرة ام اند امز

GB

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى