اخبار لايف

تفاصيل إعادة تقييم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.. مصر ليست الوحيدة


فتحت تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بضرورة إعادة تقييم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ملف الصندوق مع عدد من الدول وآلية إعادة التقييم.

وذلك حال أثرت برامج الإصلاح الاقتصادي على الشعودب وتحولت إلى أزمة اقتصادية.

جاءت تصريحات السيسي خلال مداخلته في افتتاح المؤتمر العالمي الثاني للسكان والصحة والتنمية بالعاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة)، حيث قال، “واجهنا أزمة كبيرة، خصوصًا في قطاع الصحة بعد 2011، مررنا بظروف اقتصادية صعبة وعدم استقرار أمني بسبب التطرف والإرهاب، البلد كانت في حالة فوضى، والتحديات حينها بدت مستحيلة الحل، لكن الأزمات قد تكون فرصًا حقيقية لتجاوز الصعوبات وإيجاد حلول مبتكرة”.

وبحسب موقع “ذا كونفرسيشن”، لا تعتبر مصر الدولة الأولى التي تسلط الضوء على إعادة تقييم اتفاقاتها مع صندوق البنك الدولي، بعد استشعارها لضغوط الظروف السياسية العالمية وتأثيرها السلبي على عمليات الإصلاح الاقتصادي.

أبرز الأمثلة هي دولة كينيا، التي قال الموقع إن كينيا شهدت احتجاجات مؤخرا، تشكل تحذيراً من فشل صندوق النقد الدولي.

حيث أن الرأي العام في كينيا لا يعتقد أن الصندوق يساعد البلدان الأعضاء في إدارة مشاكلها الاقتصادية والمالية، التي تتفاقم بسبب الاقتصاد السياسي العالمي المتغير بسرعة.

رغم ذلك، فمن المؤكد أن صندوق النقد الدولي ليس السبب الوحيد لمشاكل كينيا في جمع الأموال اللازمة للوفاء بالتزاماتها المالية الضخمة والتعامل مع عجز ميزانيتها.

حيث تشمل الأسباب الأخرى فشل الطبقة الحاكمة في التعامل مع الفساد، وإنفاق الأموال العامة بمسؤولية وإدارة اقتصاد ينتج فرص العمل ويحسن مستويات معيشة الشباب في كينيا.

كما تعرضت البلاد لضربة شديدة بسبب الجفاف والفيضانات وغزو الجراد في السنوات الأخيرة.

بالإضافة إلى ذلك، يطالبها دائنوها بمواصلة خدمة ديونها الخارجية الضخمة على الرغم من التحديات المحلية والبيئية المالية والاقتصادية الدولية الصعبة التي تمر بها.

وقدم صندوق النقد الدولي الدعم المالي لكينيا، لكن التمويل يخضع لشروط صعبة تشير إلى أن التزامات الديون أكثر أهمية من احتياجات المواطنين الذين عانوا طويلا.

هذا على الرغم من ادعاء صندوق النقد الدولي أن تفويضه يشمل الآن مساعدة الدول في التعامل مع قضايا مثل المناخ والرقمنة والحوكمة وعدم المساواة.

ومن المؤسف أن كينيا ليست حالة منفردة في هذه المعاناة، حيث تتلقى واحد وعشرون دولة أفريقية دعم صندوق النقد الدولي.

وفي أفريقيا، تتجاوز قيمة الدين، في المتوسط، المبالغ المجمعة التي تنفقها الحكومات على الصحة والتعليم والمناخ والخدمات الاجتماعية.

ولقد أدت الشروط الصعبة المرتبطة بتمويل صندوق النقد الدولي إلى دفع مواطني كينيا وغيرها من البلدان الأفريقية إلى استنتاج أن صندوق النقد الدولي القوي للغاية هو سبب مشاكلهم.

ومع ذلك، فإن بحث في القانون والسياسة وتاريخ المؤسسات المالية الدولية يشير إلى العكس، ويقول أن المشكلة الحقيقية هي تراجع سلطة صندوق النقد الدولي وفعاليته.

ماذا يقول التاريخ عن تأثير صندوق النقد الدولي؟

عندما تم التفاوض على المعاهدة التي أنشئت بموجبها مؤسسة صندوق النقد الدولي قبل ثمانين عاماً، كان من المتوقع أن تبلغ موارده نحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وكان الهدف من هذا هو المساعدة في التعامل مع المشاكل النقدية ومشاكل ميزان المدفوعات في 44 دولة. أما اليوم، فمن المتوقع أن يساعد صندوق النقد الدولي الدول الأعضاء البالغ عددها 191 دولة في التعامل مع المشاكل المالية والنقدية والمالية ومشاكل الصرف الأجنبي والقضايا “الجديدة” مثل المناخ وعدم المساواة.

وللوفاء بهذه المسؤوليات، قدمت الدول الأعضاء لصندوق النقد الدولي موارد تعادل نحو 1% فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

هذا الانخفاض في موارده نسبة إلى حجم الاقتصاد العالمي وعدد أعضائه له تأثيران ضاران على أقل تقدير.

الأول هو أنه يوفر للدول الأعضاء فيه دعماً مالياً أقل مما تحتاجه إذا كانت تريد تلبية احتياجات مواطنيها والامتثال لالتزاماتها القانونية تجاه الدائنين والمواطنين.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا

والنتيجة هي أن صندوق النقد الدولي يظل ممولاً لسياسات التقشف، فهو يتطلب من أي دولة أن تقوم بتخفيضات إنفاق أعمق مما قد يكون ضرورياً.

والتأثير الثاني لتراجع الموارد هو أنه يضعف موقف صندوق النقد الدولي التفاوضي في إدارة أزمات الديون السيادية.

وهذا مهم لأن صندوق النقد الدولي يلعب دوراً حاسماً في مثل هذه الأزمات، فهو يساعد في تحديد متى تحتاج دولة ما إلى تخفيف أعباء ديونها أو الإعفاء منها، ومدى اتساع الفجوة بين التزاماتها المالية والموارد المتاحة، ومدى مساهمة صندوق النقد الدولي في سد هذه الفجوة، ومدى مساهمة دائنيها الآخرين.

وعندما أعلنت المكسيك أنها لا تستطيع الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالديون في عام 1982، أعلن صندوق النقد الدولي أنه سيوفر نحو ثلث الأموال التي تحتاج إليها المكسيك للوفاء بالتزاماتها، شريطة أن يساهم دائنوها التجاريون بالأموال المتبقية.

وتمكن من دفع الدائنين إلى التوصل إلى اتفاق مع المكسيك في غضون أشهر، وكان لديه الموارد الكافية لتكرار هذه الممارسة في بلدان نامية أخرى في أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية.

ولقد خلقت الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي على المكسيك والدول المدينة الأخرى في مقابل هذا الدعم المالي مشاكل خطيرة لهذه البلدان.

ومع ذلك، كان صندوق النقد الدولي فاعلاً فعالاً في أزمة الديون في ثمانينيات القرن العشرين.

اليوم، أصبح صندوق النقد الدولي عاجزاً عن لعب مثل هذا الدور الحاسم.

على سبيل المثال، قدم لزامبيا أقل من 10% من احتياجاتها التمويلية، وقد مرت الأن أربع سنوات منذ تخلفت زامبيا عن سداد ديونها، وحتى مع دعم صندوق النقد الدولي، لم تبرم زامبيا بعد اتفاقيات إعادة الهيكلة مع جميع دائنيها.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا

ما الذي يجب القيام به؟

إن حل هذه المشكلة يتطلب من البلدان الغنية توفير التمويل الكافي لتمكين صندوق النقد الدولي من تنفيذ تفويضه.

كما يتعين عليها أن تتنازل عن بعض السيطرة وأن تجعل المنظمة أكثر ديمقراطية ومساءلة.

وفي الأمد القريب، يستطيع صندوق النقد الدولي أن يتخذ إجراءين.

أولاً، يتعين عليه أن يضع سياسات وإجراءات مفصلة تشرح لموظفيه، وللدول الأعضاء فيه، ولسكان هذه الدول ما يمكنه أن يفعله وما سيفعله.

وينبغي لهذه السياسات أن توضح المعايير التي سوف يستخدمها صندوق النقد الدولي لتحديد متى وكيف يدمج قضايا المناخ وعدم المساواة وغير ذلك من القضايا الاجتماعية في عمليات صندوق النقد الدولي.

كما ينبغي له أن يصف الجهات التي سوف يتشاور معها، وكيف يمكن للجهات الفاعلة الخارجية أن تتعاون مع صندوق النقد الدولي، والعملية التي سوف يتبعها في تصميم وتنفيذ عملياته.

والواقع أن هناك قواعد ومعايير دولية يستطيع صندوق النقد الدولي أن يستخدمها لتطوير السياسات والإجراءات المبدئية والشفافة.

ثانياً، يتعين على صندوق النقد الدولي أن يعترف بأن القضايا التي يثيرها تفويضه الموسع معقدة وأن خطر ارتكاب الأخطاء مرتفع.

وبالتالي، فإن صندوق النقد الدولي يحتاج إلى آلية قادرة على مساعدته في تحديد أخطائه، ومعالجة آثارها السلبية في الوقت المناسب وتجنب تكرارها.

ويوضح “ذا كونفيرسيشن” مختصرا، أنه يتعين على صندوق النقد الدولي أن ينشئ آلية مستقلة للمساءلة مثل أمين المظالم الخارجي الذي يمكنه تلقي الشكاوى.

وحاليا، يعد صندوق النقد الدولي المؤسسة المالية المتعددة الأطراف الوحيدة التي لا تمتلك مثل هذه الآلية، وبالتالي، فهو يفتقر إلى الوسائل اللازمة لتحديد المشاكل غير المتوقعة في عملياته عندما لا يزال من الممكن تصحيحها، والتعرف على تأثير عملياته على المجتمعات والأشخاص الذين من المفترض أن يساعدهم.

aXA6IDJhMDI6NDc4MDphOjE0NTE6MDoxN2IzOjljNmY6MiA= جزيرة ام اند امز GB

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى